حكايتى مع سماعين ود حد الزين

حكايتي مع سماعين ود حد الزين
تحكيها من إدمنتون : أحلام إسماعيل حسن
ahlamhassan@live.ca
وأقول " سماعين " لأن هذا هو الإسم المحبب للشاعر الكبير الراحل المقيم إسماعيل حسن ، هكذا كانت تناديه أمه حد الزين والتي كتب فيها أجمل قصائده :
حَدَّ الزِّينْ

وَيَاحُدُودْ حُدودْ الزِّينْ

حَدّ الزِّينْ

بِنَيَّةْ شيخْنا إسْماعِينْ

نِغِيمْ نَايَنْ

بَعِيدْ وحَزِينْ

مَرَاكبْ القُدْرَه

شَايْلاَتَنُّه

يَامَا شَالَنْ الطّيبينْ

ونِحْنَ

عَلى ضِفَاف الشُّوقْ

عَذَابْنَا

نَودِّعْ الرّاحْلِينْ

نَلوِّحْ

فِى الهَوَى بى دينا

بى آهَاتْنَا

بى دَمْعَاتْنَا

خَايْدِينْ

فى الرَّبوُبْ وَ الطِّينْ

وَمَا قَادْرِينْ

نَفُوتُو قَدَرْنَا مَا قَادْرِينْ

حِليلِكْ

يَا حُدودْ الزّينْ

حِليلِكْ

يَا قَمَرْ دُورينْ

يَا هَدَّايَا

يَا ضَوَّايَا

يا أمْ الوِّليدْ وَ الزِّينْ

فُراقْ وَاحِدْ

بكُتْل الزّولْ

وكيفْ يَا يُمَّه

إنْتُو اتنينْ

خَلّيتُونَا

فِى دَرْب الضَّيَاعْ

ضَايْعِينْ

مِنُو اليًا ..يُمَّه

فِى شَهْرينْ

فَقَدْ أخْتُه

وحَيدَةْ دَارْنَا يَايُمَّه

((جَوَاهِرْنَا))

وفَقَدْنَاكْ

إنْتِى فىِ شَهْرينْ..؟؟

بَقُولْ للدُّنْيَا

مَافُتُّونَا ..يَا حَنِّينْ

بَشُوفْكنْ

يُمَّه فىِ الزُهَّادْ

يرَتِّلوُا

فىِ الضُّحَى وَيَاسِينْ

بَشُوفِكْ يُمَّه

رَاىْ العينْ

وِكِتْ

مِنْدَلِّى غَاشِى (( السَّابْ))

وَمَاشِى ((جَرينْ))

ويَا أعْرَقْ مِنْ الأعْرَاقْ

خُلاَصَةْ أهْلَنَا الطَّيبْينْ

((كُلْنكاكُول))

فىِ الشِّمَالْ ..بِبْكىِ

وفُوقُو

اتْحَزّمُوا الصَّالْحِينْ

وكُلّ الفَاتُوا قُبَّالِكْ

عَلى بَابْ الخُلودْ

وَاقْفِينْ

((حُسُونَه))

ينَقْرِشْ الطَنْبُورْ

حِسَارْ الآخْرى

زَادُو ..حَنِينْ

((جُمَال البَّاشَّا))

تِتْلَقَّاكِى

فِى سُوقْ ((المَقَلْ)) فَارْشِينْ

وشُوفِى

((مِهِيَرة)) سِتْ الخِيلْ

وسِتْ الفِى الدُّرُوعْ خَايْدِين

بَنَاتْ الحُورْ

صُفُوفْ وَ صُفُوفْ

يَسَوَّنْ

فِى العَديِلْ وَ الزّينْ

يَا العَارْفينْ

وَمَا عَارْفينْ

دِى حَدّ الزّين

بنَيّة شيخْنَا إسْمَاعِينْ
كان والدي جميلا ورائعا وعظيما ، أنا لا أتحدث عنه كشاعر وإنما كوالد كأب لأربع بنات وأربعة أولاد وكنت أنا أكبرهم ، وأصدقكم القول أنني " تمرمغت " وتربيت وعشت أجمل أيام حياتي في كنف والدي وفي عالمه المليء بالحب والحنية والحنان والمودة ، لم يكن غنيا أو ثريا ولكنه كان مفعما بحب الحياة وحب الناس ومساعدتهم ، مضى ذلك الزمن الجميل الذي كان يقوم على التضحية والإيثار وكان والدي الرمز المضيء لذلك العصر .
كان والدي يعود في تمام الثانية مساء إلى المنزل بعد يوم شاق من العمل ، كان يجلس معنا حتى الخامسة مساء وهو الوقت المخصص لنا لمناقشة أمور الحياة ، كان يحدثنا في كل شيء ، التاريخ ، الجغرافيا ، السياسة ، الفن ، حرية الرأي والتعبير ، كان يحدثنا عن النضال والثورية وعن الشعر ، وكان يلقي علينا قصائده الوطنية والعاطفية ، وقد لاحظت مرارا وتكرارا أنه كان ينظر بإتجاهي كأنما يوجه كل حديثه لي وكنت أبتسم .
والدي كان إنسانا فوق العادة ، كان يحب المرأة ويعطيها كل حقوقها كاملة وغير منقوصة عن إيمان عميق وراسخ وكان ينمي فينا هذه المباديء والمثل والقيم ويعتبرها خطا أحمر لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال .
رافقت والدي في كل رحلاته وأسفاره إلى سنار والشمالية وحتى إلى مزرعته الخاصة التي كانت تجمع العديد من الشعراء والأدباء والفنانين يتداولون في امور الحياة والشعر والأدب ، سامي سالم وسالم احمد سالم وغيرهم وكنت وقتها أسمع ولأول مرة عن طاغور وتروتسكي ولينين وماركس ومعاوية محمد نور وخالد أبو الروس ومحمد عشري الصديق والمجذوب وعرفت أيضا محمد وردي ومحمد ميرغني وعبدالعزيز داؤود وعثمان حسين وغيرهم من عمالقة الطرب في السودان .
أحببت جميع قصائده العاطفية والتي غناها مطربنا المبدع محمد وردي وكنت أعشق بشكل خاص :


نور العين

قلبي الحابيك ما خان لياليك
ما ناسي الماضي ماتقول ناسيك
ما بدل حبو ابدا ماتنكر ليك
لكن الأشواك والنار حواليك
يانور العين
يانور العين انت وينك وين

في اللون الأسمر ذوبت شبابي
وعشقت الجنة وفي الجنة عذابي
صابر وبتألم والمر دا شرابي
ياحليل الراحو ياحليل احبابي
يا نور العين
يا نور العين انت وينك وين

الشعر الناعم بي عطرو اسرني
والوجه الناير بي نورو غمرني
عيونو النعسانة برموش تجرحني
خلتني متيم وين راحت مني
يا نور العين
يا نور العين انت وينك وين
كان إسماعيل يتحدث دائما عن الغربة والترحال وهو في وطنه وعشنا معه في أمواجه العالية ، في زمنه الجميل ، يملأ بيتنا بالفرح والسرور والإبتسامة العريضة دائما على وجهه ويعطينا الأمل الباكر ويفيض بحنانه وعطفه ليزين حياتنا بالعطف والحنية والمشاعر الدافئة ، وحبه دائما لكل الناس ، لأسرته الصغيرة أولأ ولوطنه وشعبه .
كان سماعين يحب العطبراوي وخاصة أغنيته الشهيرة " حليل النسانا " وكان والدي يحب سماعها وكنت أرددها له فتبدو على سيمائه الفرحة والسرور وأغتنمها فرصة لأتقدم بطلباتي من الهدايا الثمينة وكان يلبي ذلك طائعا تحت تأثير النشوة التي يحس بها عندما يسمع الأغنية ، بصريح العبارة كنت البنت الدلوعة كل طلباتي مستجابة لدرجة أن والدتي كانت كثيرة الغيرة من ذلك الحب الذي كان بيني وبين سماعين ، فقد كان يصحبني في كل مشاويره الخاصة وغيرها ولكل الندوات الثقافية والفكرية والشعرية والتجمعات الطلابية في المعاهد والجامعات وكان يقدمني للأفذاذ من الشعراء والأدباء فغرس فيني الكثير من الثقة بالنفس فكنت أتعامل مع الجميع بروح الصداقة والمودة والمحبة بعيدا عن تلك الغرائز العاطفية وغيرها ، تلك كانت نشأتي الأولى في منزل يوفر كل عناصر الصداقة الحقيقية والمسؤولية ، وتمادى والدي كثيرا عندما كان يختار لي حتى ألوان الملابس وتسريحة الشعر ، كان حبا أبويا خاصا حنينا ودافئا ، وعندما رحل عنا مبكرا بكيت كما لم تبك أي إمرأة في العالم ، حتى ذلك الشعر الطويل تساقط تماما مثل أوراق الخريف وأعلنت الحداد عن كل شيء ووقف معي وإلى جانبي الكثير من الأصدقاء والمعارف والأقرباء لأنهم كانوا يعرفون تماما كم كان الفقد محزنا ومأسويا ، وما زلت أذكر أستاذي الراحل محمد احمد طه وابراهيم الزومه ووقوفه إلى جانبي ، تلك بعض الذكريات فيها الكثير من الحزن ولكن فيها الكثير من الفرح أيضا .
كان والدي يحب المرأة ويقدرها كثيرا ولا أبالغ إذا قلت أنني لم أعرف في حياتي رجلا يحب المرأة ويقدرها مثل والدي سماعين

التحيه ليك ليك هبه وانتي تبحري مع القامه اسماعيل حسن