gelas
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

نساء الشايقية بين الشعر والسياسة في القرن التاسع عشر

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

نساء الشايقية بين الشعر والسياسة في القرن التاسع عشر Empty نساء الشايقية بين الشعر والسياسة في القرن التاسع عشر

مُساهمة  هبة ابنعوف الثلاثاء أكتوبر 27, 2009 5:03 pm

نساء الشايقية بين الشعر والسياسة في القرن التاسع عشر

--------------------------------------------------------------------------------

نساء الشايقية بين الشعر والسياسة في القرن التاسع عشر
قبل هذا كنت بمعزل، فقد أمسكت طويلاً عن هذا الفضاء المربك الغريب، ولكن الشاعرات نصرة بت محمود وزينب بت سعيد وستي بت إدريس ومهيرة بت عبود وفاطمة بت ود كنونة، أخذن مني كل مأخذ، فتذكرت عزة المرأة الشايقية في مجالس القبيلة، تناقش وتشارك بالرأي وتنظر في اصعب الأمور والقضايا، فحسبت الف حساب لكبريائها وعلو شأنها وشأوها وقوة حجتها وسطوة عاطفتها وعنفها عند ممارسة وصايتها على الأعراف والتقاليد وحينما تظهر ولاءها لأهل بيتها في نظم العديلة والسيرة والمناحة. تمثلت مسيرها في مقدمة الجيوش تنظم الشعر وتدفع بالفرسان إلى ميدان القتال على أصوات الزغاريد وإنشاد الأناشيد والألحان، كأنما تقودهم لساحة عرس. تذكرت عزلة أم الشيخ عثمان ود حمد وأم الحسين الشيخية وأميرة بت الملك جاويش، واستجبت للأميرة الأسيرة صفية بت صبير ملك الحنكاب والأميرة مهيرة بت عبود شيخ السواراب من موقع الوفاء والمراقب لتلك القلوب الجريئة وتوثباتها الفتية في عمق الأحداث، تصنع التاريخ وتضرب الأمثال وتؤكد على القيم والأعراف. وقفت طويلاً في حملة الشلالي عند إمرأة طه أب سدر وهي تقاتل وتضرب النحاس، وتحرض على القتال وتشكل مقاومة حتى تجمع عليها الأنصار، فماتت بطعنة رمح وفي يدها مسدس.
وعلى الرغم من ذلك لم أتوقف إلا قليلاً ولم أجد غرابة في إنعطاف المرأة الشايقية للشعر دون غيره من الأجناس الأدبية الأخرى لارتباطه بقوة العاطفة عندها وطبيعتها الحساسة. كما أن الشعر أصدق ترجمان لها، على إعتبار أنه أحد تلك اللغات المغايرة والممكنة في التعبير والبوح والمكاشفة، وصياغة سؤال الذات والكينونة بشكل رمزي دون تكتم أو مباشرة.
والناظر إلى منطقة الشايقية في القرن التاسع عشر يلاحظ إنخفاض صوت الرجل الشعري المشارك والدافع لحركية الأحداث، المتفاعل مع الحياة الساسية والاجتماعية، إلا من بعض شعراء المديح أمثال ود حليب وحاج الماحي وعبدالرحمن ود كور ـ أورد السيد محمود القباني في مذكراته ( من آداب القومية عندنا أن الترنم بأغاني الحب والرقص يعد من أكبر العيوب بل هو الدليل الناطق بفقدان رجولية الصغير والكبير، إذ الغناء لا يباشره في وسطنا غير الجواري، وليس في جماعتنا حرة تعرف الأغاني اللهم إلا نوع مراثي العظماء والكبراء، أما نحن فنترنم بالمدائح النبوية). ولقد عانى إخواننا من المبدعين (الطمبارة) إلى وقت قريب من سوء الفهم وعدم القبول. وكأن أداة القول والسكت فيما مضى السيف والحربة و(الكوكاب)، ولمن أراد إثبات ذاته ساحات الحرب والقتال والإغارة. كأنما الرجل إرتضى لسلطان الشعر أن يظل فضاءً نسوياً خالصاً، وسلاح تستغله وتحتكره المرأة لنفسها. أيضاً قد لا يخلو الأمر من دور للمرأة في تنحية وإقصاء الرجل، بتبني الشعر وفرض الأمومة القسرية على الفعل الإبداعي، خصوصاً وأن (الشايقي) غالباً ما يربأ بنفسه عن المنافسة في مجال إختارته واختصته المرأة لنفسها، وغالباً ما يفضل الموت على الهجاء والفضيحة. ولربما كانت عبقرية الرجل والجماعة ذاتها هي التي ملكت المرأة سلاحاً أمر من الموت نفسه، وعينتها رقيباً وعيناً على ذات الرجل خوفاً من التراجع والخذلان، كأنما لشحنه واستنفار رجولته ودفعه بدافع الخوف نفسه لمواجهة الخطر والموت، فحياة القرن التاسع عشر في المنطقة كانت في اشد قساوتها بحيث لا تحتمل الوسطية فإما سَائد وإما مَسُود. كذلك أغراض الشعر الكلية كانت قليلة ومحصورة في المدح والهجاء والرثاء وهي أمور اعتبرت عند الشايقية شأن نسائي شديد الخصوصية.
ولعبقرية الشاعرات أيضاً خصوصية، تمثلت البيئة والجماعة فتجاوزت التبعثر والإنغلاق على الشكلي المبهم المكتفي والمحتفي بنفسه ذاتياً وجمالياً، دون الوقوع في مصيدة الاحتكاك مع التقاليد ومفاهيم السائد المألوف لمجتمع أنجزت ثقافته واكتملت في تمام تفاصيلها. والملفت حقاً هذا الأمعان غير المتساهل في السيطرة على أطراف النص وخطوطه من الإنفلات أو الانجراف نحو الذاتي المكبوت والمسكوت عنه في عالم الحريم. هذا التحديد النصي والإلحاح على المضمون فرض شكلاً من (أدب الإلتزام) بإنحيازه لقيم الرجولة والشجاعة والتضحية.
أيضاً تمكنت المرأة عن طريق استقلال نصها الشعري عن الذاتية وعن الخصوصية النسوية من تحقيق موقع متقدم، ونوعاً من المعادل الموضوعي أستطاعت من خلاله حماية نفسها وسلاحها الشعري وتأكيد مشروعيته واستمراره. كما أنها أستطاعت صياغة صوتها ووجود ذاتها وتأكيد أهمية دورها عبر قيم ومفاهيم احادية لمجتمع ذكوري, بمعنى آخر يمكن القول أن النص الشعري النسوي في القرن التاسع عشر عند الشايقية في مجمله بنية أنثوية تأويلية لمجموعة من الرموز والمعاني والقيم الاجتماعية الذكورية تكون المرأة فيه مؤولة بمعنى من المعاني، ومضمرة في مجمل النص، ومحسوب حسابها.
يكتمل موقف المرأة الشايقية من المشاركة في الحياة السياسية ودورها في اتخاذ القرار على أعلى المستويات في رأي مهيرة بت عبود الذي صاغته شعراً عندما احتد النقاش بين المؤيدين والمعارضين للحرب وإحتار العقيد في المجلس المنعقد في (أم بقر) بالقرب من كورتي لمواجهة حملة إسماعيل باشا، حينها قالت مهيرة:[/align]
الليلة العقيد شوفنه كيف متمسكن
وفي قلب التراب متجكن
الراي فارقه لا بشفي لا بمكن
لا تعجبن ضيم الرجال بمكن
خلوكن براكن الليلة وحدكن
بتمشن تحاربن والا بتبكن
وعندما صمت المجلس ولم يحر العقيد جواباً أردفت بيتاً من الشعر غير مجرى التاريخ وحسمت مهيرة الأمر نهائياً لصالح الحرب حين قالت:
يا فرسان أدفروا احموا واطاتنا *** والا ادونا السيوف وهاكم رحاطتنا
فرد عليها خطيبها واحد فرسان القبيلة قافزاً :


نحن فرسان الدواس *** نحن نسبتنا عباس
دقوا يا أولاد النحاس *** شدوا خيلكم يلا للباس
فهب الرجال راجزين يتبعهم الكهول وقد أُقر مبدأ الحرب :
نركب ينقنق جرسنا *** غرب ود العود جلسنا
مالنا نحن إن فرشنا *** هيلنا من جاويش حرسنا


فترد عليهم مهيرة مشجعة وتذكر العقيد بين الأبيات كنوع من الاعتذار الذكي الحميم وكنوع من المكافأة للاستجابة لنداء الحرب وقيم الشجاعة والرجولة:


غنيت بالعديلة لولاد شايق *** البرشو الضعيف ويلحقو الضايق
الليلة استعدوا وركبوا خيل الكر **** قدامهم العقيد بالأغر دفر
جنياتنا الأسود الليلة تتنتر *** يا الباشا الغشيم قول لجدادك كر
حسان بحديده الليلة اتلتم *** الدابي الكمن في جحره شم الدم
مامون يا الملك يا نقيع السم *** فرسانا البكيلو العين يفرجو الهم


وكان من الحرب ما كان من انهزام الشايقية بعد تلك الملحمة التاريخية وبعد أن خذلتهم القبائل التي حاولوا استنفارها للمشاركة في مواجهة حملة اسماعيل، والدفاع عن أرض وسعت الجميع، وتلك قصة أخرى قد نعود إليها فيما بعد.
[align=justify]
تاريخ الشايقية ملئ بالنماذج من الرجال والنساء، صاغوا التاريخ في أروع الملاحم، حفظ بعضها واسقط بعضها.
كأنما المنطقة تعاني من العنت والتهميش، ومن شتى أنواع الموجات الباطنية التي تستهدف تاريخها منذ التركية السابقة. فكم من بطولة وكم من رجولة وكم من امرأة ظلمها التوثيق وأهملها التسجيل، حتى امرأة طه اب سدر اسقط اسمها، فلا يعقل أن يحفظ التاريخ اسم قاتلها من الانصار عبدالمنعم محمد من دغيم وينسى اسمها. وكأنما التوثيق لتاريخ السودان يصدق لمنطقة على حساب الأخرى. لكن العيب فينا نحن الأكثر حرصاً على ثقافتنا وعلى توثيق تاريخنا ووضع صفحاته الناصعة في دائر المنظور

هبة ابنعوف
عضو مميز
عضو مميز

عدد المساهمات : 264
تاريخ التسجيل : 26/07/2009
الموقع : المملكة العربية السعودية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

نساء الشايقية بين الشعر والسياسة في القرن التاسع عشر Empty رد: نساء الشايقية بين الشعر والسياسة في القرن التاسع عشر

مُساهمة  alshatrabi الخميس أكتوبر 29, 2009 9:48 pm

نساء الشايقية بين الشعر والسياسة في القرن التاسع عشر 212
alshatrabi
alshatrabi
مشرف

عدد المساهمات : 1179
تاريخ التسجيل : 22/06/2009

http://alshatrabi@hotmail.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى